شبكة السيارات الصينية: خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تصدّرت الصين قائمة الدول المصدّرة للسيارات في العالم، لتتجاوز اليابان وألمانيا وتصبح الأولى عالميًا في حجم التصدير.
لكنّ هذا الإنجاز، كما يؤكد التقرير البحثي، ليس سوى الخطوة الأولى في مسيرة أطول وأكثر عمقًا نحو هدف أكبر: تحويل الصين من “قوة تصديرية” إلى “قوة علامات عالمية”.

الطريق نحو 2030: كيف تمضي الصين لتصبح قوة السيارات العالمية الأولى

وبحسب التحليل المستند إلى بيانات عام 2024، فإن مبيعات العلامات الصينية في الخارج يُتوقع أن ترتفع إلى 8.6 مليون سيارة بحلول عام 2030، متجاوزة العلامات الأمريكية والكورية، لتستحوذ على حصة سوقية عالمية تتراوح بين 12% و17%.
عند تحقيق هذا المستوى، ستكون الصين قد تجاوزت الماركات الألمانية في الحضور الخارجي، وأصبحت أقرب إلى اليابان في حجم التأثير العالمي.


الوصول السريع لاجزاء المقال

أولاً: ما المقصود بأن تكون الصين “قوة سيارات عالمية”؟

أن تصبح دولة “قوة سيارات عالمية” لا يعني تصدير أكبر عدد ممكن من السيارات، بل بناء منظومة اقتصادية وتقنية وعلامية متكاملة تمتلك فيها الشركات الصينية تأثيرًا حقيقيًا في السوق العالمي من حيث التقنية والابتكار والقيمة السوقية.

هذه القوة تُقاس بثلاثة محاور رئيسية:

  1. الهيمنة على السوق المحلي: بامتلاك حصة الأغلبية في المبيعات الداخلية.
  2. الانتشار الخارجي الفعّال: من خلال التصدير، ثم الإنتاج المحلي في الخارج.
  3. القوة التقنية والعلامية: بالسيطرة على سلاسل القيمة والبحث والتطوير والابتكار المستقل.

ثانياً: الوضع الراهن – الصدارة المحلية والتوسع الخارجي

عام 2024، أصبحت الصين ثاني أكبر دولة سيارات في العالم من حيث المبيعات الإجمالية، بعد اليابان مباشرة، متفوقة على ألمانيا وكوريا والولايات المتحدة.
خلال النصف الأول من 2025، تجاوزت مبيعات العلامات الصينية مبيعات اليابانية لتصل إلى 11.45 مليون سيارة.

لكن رغم هذه الأرقام، فإن التأثير الخارجي ما زال محدودًا.
فمبيعات الشركات الصينية في الخارج (تصدير + إنتاج محلي خارجي) لا تزال تحتل المرتبة الخامسة عالميًا، في حين تتفوق اليابان بسبعة أضعاف المبيعات الخارجية مقارنة بالصين.

تحليل :

  • المبيعات المحلية: ارتفعت حصة العلامات الوطنية من 38% في 2019 إلى 60% في 2024.
  • الصادرات: ارتفع معدل التصدير من 4% في 2020 إلى 19% في 2024.
  • الإنتاج الخارجي: لا يتجاوز 2% من إجمالي المبيعات العالمية للعلامات الصينية، مقارنة بـ70% لليابان وألمانيا.

هذا يعني أن أكثر من 85% من مبيعات العلامات الصينية لا تزال داخل الصين، ما يجعل التوسع الخارجي التحدي الأكبر خلال العقد القادم.


ثالثاً: مقارنة بين المسارات الدولية – كيف بنت ألمانيا واليابان وكوريا قوتها

ألمانيا

  • ركّزت على الدقة الهندسية والجودة العالية منذ خمسينيات القرن الماضي.
  • بدأت بتصدير سيارات فولكس فاجن إلى أمريكا الشمالية ثم أسست مصانع محلية في آسيا خلال الثمانينات.
  • لاحقًا، أنشأت كبرى الشركات مثل مرسيدس وبي إم دبليو مراكز تطوير داخل الصين لتكييف سياراتها مع السوق المحلي.

اليابان

  • بدأت تصدير السيارات في الستينات.
  • استفادت من أزمات النفط في السبعينات لترويج سياراتها الاقتصادية في أمريكا.
  • بعد النزاعات التجارية، أنشأت مصانع في أمريكا وأوروبا، وأصبحت تعتمد اليوم على الإنتاج المحلي الخارجي بنسبة تفوق 70%.

كوريا الجنوبية

  • انطلقت في السبعينات بتصدير الدفعات الأولى إلى الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.
  • منذ التسعينات بدأت إنشاء مصانع في تركيا وأوروبا.
  • وصلت صادراتها إلى مليون سيارة في منتصف التسعينات، وتحوّلت تدريجيًا إلى الإنتاج الخارجي.

خلاصة المقارنة

المراحل الثلاث لبناء القوة العلامية الدولية هي:

  1. مرحلة التصدير المباشر – إرسال السيارات المنتجة في الدولة الأم إلى الخارج.
  2. مرحلة الإنتاج المحلي في الأسواق الخارجية – لتجنب الرسوم الجمركية وتقليل التكاليف.
  3. مرحلة التوسع الصناعي المتكامل – بناء سلاسل توريد وبحث وتطوير وخدمات كاملة في الدول المستهدفة.

الصين اليوم في المرحلة الثانية، وتتحرك بسرعة نحو الثالثة.


رابعاً: الصين تدخل عصر التصنيع الدولي – من التصدير إلى التموضع

عام 2024 اعتُبر نقطة التحول الحقيقية.
بدأت شركات مثل بي واي دي، جيلي، سايك، جريت وول، وشيري تنفيذ مشاريع مصانع في أوروبا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا.
الهدف لم يعد البيع، بل التوطين الصناعي: إنتاج محلي، تطوير محلي، وتشغيل محلي.

بي واي دي على سبيل المثال أنشأت مركز تطوير في المجر لتصبح أول شركة صينية تمتلك منظومة أوروبية كاملة تشمل الإنتاج والبحث والإدارة.
وفي معرض ميونخ 2025، شاركت الشركات الصينية كمجموعة واحدة تمثل السلسلة الصناعية الكاملة للسيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي، وهو ما يرمز إلى دخول الصين مرحلة “التموضع الشامل في السوق العالمي”.


خامساً: التوقعات الكمية حتى عام 2030

1. المبيعات المحلية

يتوقع أن تصل مبيعات السيارات داخل الصين إلى 27 مليون سيارة في 2030 بمعدل نمو سنوي يقارب 1%.
كما يتوقع أن ترتفع حصة العلامات الوطنية إلى 70%–75% من السوق المحلي، بفضل التحول إلى السيارات الكهربائية وتراجع جاذبية الماركات الأجنبية.

2. المبيعات الخارجية

  • معدل النمو السنوي المتوقع: بين 15% و22%.
  • النتيجة بحلول 2030: مبيعات خارجية بين 6 و8.6 ملايين سيارة.
  • الحصة السوقية العالمية: بين 12% و17%، لتتجاوز الكورية والأمريكية وتقترب من الألمانية واليابانية.

3. إجمالي المبيعات العالمية

قد تصل المبيعات الإجمالية للعلامات الصينية إلى 25–29 مليون سيارة سنويًا بحلول عام 2030، مما يجعل الصين أكبر دولة سيارات في العالم من حيث المبيعات والإنتاج.


سادساً: المعوقات الرئيسية أمام الصعود العالمي

1. الرسوم الجمركية والعوائق التجارية

  • الاتحاد الأوروبي رفع رسومه الإضافية على السيارات الصينية إلى ما بين 17% و35%.
  • المكسيك ألغت الإعفاءات الجمركية وفرضت رسومًا تصل إلى 20%.
  • البرازيل رفعت الرسوم على السيارات الكهربائية إلى 35% بحلول منتصف 2026.
  • روسيا زادت رسومها إلى 38%، وأعادت فرض ضريبة مرتفعة على السيارات المستوردة.

هذه السياسات تفرض على الشركات الصينية تسريع خطط بناء المصانع في الخارج لتجنب القيود.

2. تباطؤ انتشار السيارات الكهربائية في بعض الأسواق

العديد من الدول الأوروبية خفّضت أو ألغت الحوافز المالية، ما أثر على وتيرة التحول الكهربائي، خصوصًا في الأسواق ذات الدخل المتوسط مثل إسبانيا وإيطاليا.

3. النزاعات القانونية

تواجه بعض الشركات الصينية دعاوى تتعلق ببراءات اختراع في مجالات الاتصالات داخل المركبات (مثل الدعاوى ضد بي واي دي وجيلي من شركات يابانية وأوروبية).

4. تحديات الاعتماد والمعايير

الأسواق الأوروبية والأمريكية تطلب معايير صارمة جدًا تتعلق بالسلامة والانبعاثات، ما يجعل دخول السيارات الصينية عملية مكلفة وطويلة.


سابعاً: الاستراتيجيات المستقبلية

الطريق لتجاوز هذه التحديات يتمثل في ثلاثة محاور:

  1. تعزيز الإنتاج المحلي في الخارج: لتقليل التكاليف الجمركية وتسهيل الاعتماد الفني.
  2. التركيز على التقنيات المتقدمة: مثل البطاريات الصلبة، القيادة الذاتية، وأنظمة الذكاء الصناعي المحلية.
  3. تطوير شبكات الخدمة والتمويل في الأسواق الجديدة: لتحسين تجربة العملاء وتعزيز الثقة في العلامات الصينية.

ثامناً: نظرة إلى المستقبل – من “البيع للخارج” إلى “القيادة العالمية”

المرحلة القادمة تتجاوز فكرة التصدير نحو التمركز في الأسواق الخارجية عبر مصانع، ومراكز تطوير، وسلاسل إمداد محلية.
الصين اليوم تبني قاعدة اقتصادية عالمية حقيقية في صناعة السيارات، ولا تسعى فقط إلى زيادة المبيعات، بل إلى تحويل نفسها إلى قائد للاتجاه العالمي للسيارات الكهربائية والذكية.


الطريق صعب، لكن القمة قريبة

رحلة الصين نحو 2030 ليست سباقًا قصيرًا، بل مسار استراتيجي طويل الأمد.
التحول من “قوة تصدير” إلى “قوة علامة” يعني السيطرة على القيمة، التقنية، والوعي الاستهلاكي العالمي.
ومع تفوق الصين في البطاريات والبرمجيات والذكاء الصناعي، ومع استمرار التوسع الصناعي في الخارج، فإن تحقيق لقب الدولة الأقوى في صناعة السيارات بحلول 2035–2040 أصبح هدفًا واقعيًا.


الملحق التحليلي: مقارنة تطور صناعة السيارات بين الصين والدول الكبرى (2019–2030)

المؤشر الرئيسيالصيناليابانألمانياكورياالولايات المتحدة
إجمالي المبيعات العالمية 2019 (مليون سيارة)25.728.520.38.517.0
إجمالي المبيعات العالمية 2024 (مليون سيارة)28.128.521.09.115.8
حصة السوق المحلي من العلامات الوطنية (2019)38%95%53%77%50%
حصة السوق المحلي من العلامات الوطنية (2024)60%94%52%74%48%
معدل التصدير من إجمالي الإنتاج (2020)4%55%78%62%15%
معدل التصدير من إجمالي الإنتاج (2024)19%58%80%64%17%
نسبة الإنتاج المحلي بالخارج (2024)2%72%70%62%68%
إجمالي المبيعات الخارجية (2024)3.8 مليون26.5 مليون15.1 مليون7.2 مليون6.9 مليون
توقع المبيعات المحلية في 203019–20 مليون18–19 مليون16–17 مليون8–9 مليون14–15 مليون
توقع المبيعات الخارجية في 20306–8.6 مليون25–27 مليون17–18 مليون8–9 مليون7–8 مليون
إجمالي المبيعات العالمية في 2030 (تقديري)25–29 مليون26–28 مليون21–23 مليون15–17 مليون21–22 مليون
الحصة العالمية المتوقعة في 203025–30%23–25%19–21%9–11%10–12%
حصة السيارات الكهربائية من إجمالي مبيعات الصين 203065%45%50%55%48%
عدد المصانع الخارجية المملوكة لشركات صينية (2025 المتوقع)10 مصانع / طاقة 790,000 سيارة
عدد الدول التي تتواجد بها العلامات الصينية حتى 202585+ دولة100+120+90+100+
نسبة المبيعات الناتجة عن التصنيع المحلي الخارجي (2030 المتوقع)35–40%70%72%65%68%
نسبة النمو السنوي المتوقع لصادرات الصين 2025–203015%–22%1%–2%2%–3%3%–4%1%–2%
نسبة سيطرة السيارات الصينية على الأسواق غير الأمريكية واليابانية والكورية (2030)12%–17%

التحليل العام للجدول

  • الصين أصبحت صاحبة أكبر سوق سيارات في العالم وأسرع دولة نموًا في التصدير والإنتاج المحلي الخارجي.
    بحلول 2030، ستصبح العلامات الصينية الأولى عالميًا من حيث المبيعات الإجمالية، مع توسع كبير في أوروبا، الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية.
  • اليابان تحافظ على قوتها الخارجية لكنها فقدت الريادة المحلية والتقنية في السيارات الكهربائية، ما يجعلها عرضة لتراجع حصتها العالمية إلى ما دون 25%.
  • ألمانيا ما زالت تسيطر على سوق السيارات الفاخرة والتقنية الميكانيكية الدقيقة، لكنها تتأخر في وتيرة التحول الكهربائي مقارنة بالصين.
  • كوريا الجنوبية تواصل تطوير علاماتها مثل هيونداي وكيا، لكنها تواجه منافسة مباشرة من الصين في الأسواق الناشئة التي كانت يومًا ما أسواقها التقليدية.
  • الولايات المتحدة تظل قوية من حيث الابتكار والذكاء الصناعي، لكنها تعتمد على الشركات متعددة الجنسيات وتواجه ضغوطًا سياسية تحد من التوسع التجاري الخارجي.

رؤية شبكة السيارات الصينية

  • بحلول عام 2030، ستتحول الصين من مركز تصنيع إلى قائد عالمي في القيمة والتقنية والابتكار.
  • بحلول 2035، من المتوقع أن تصبح أول دولة تجمع بين:
    1. أعلى مبيعات عالمية.
    2. أكبر شبكة تصنيع خارجية.
    3. أعلى نسبة انتشار للسيارات الكهربائية والذكية.

هذا المسار يجعل الصين تتجه بثبات نحو تحقيق رؤيتها الكبرى: أن تصبح أقوى دولة سيارات في العالم من حيث العلامة والتأثير بحلول 2040.

اخر الاخبار اخر الاخبار