- 23 ديسمبر - 2 مساءً
شبكة السيارات الصينية : يشهد سوق السيارات في الصين واحدة من أهم المراحل التنظيمية في تاريخه الحديث، بعد إعلان الهيئة الوطنية للرقابة على السوق عن مسودة “دليل الامتثال لسلوك التسعير في صناعة السيارات”، والتي شددت بشكل غير مسبوق على منع شركات السيارات من البيع بخسارة أو اللجوء إلى التخفيضات المقنّعة بأي شكل من الأشكال. هذا القرار لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة سنوات من المنافسة السعرية العنيفة التي قادت السوق إلى مستوى خطير من “الانهاك التجاري” والفوضى التسويقية.








الوصول السريع لاجزاء المقال
لماذا جاء القرار الآن؟ وما المخاطر التي تحاول الحكومة منعها؟
الجهات المعنية أوضحت أن السوق شهد خلال السنوات الأخيرة تفاقمًا في ظواهر غير صحية، من أبرزها:
- بيع سيارات بأسعار أقل من التكلفة الحقيقية.
- استخدام استراتيجيات تخفيض مبالغ فيها ومضللة.
- منافسة غير عقلانية تهدد استدامة الصناعة.
- لجوء شركات كثيرة إلى حرق الأسعار بهدف القضاء على المنافسين والسيطرة على السوق.
ما تخشاه الجهات التنظيمية ليس فقط تضرر الشركات، بل امتداد الخسائر إلى:
- وكلاء البيع الذين يتعرضون لضغوط مالية هائلة.
- انخفاض مستوى الخدمة والصيانة بسبب خسائر الوكلاء.
- الإضرار بالمستهلك في نهاية المطاف رغم اعتقاده أنه يستفيد من الأسعار المنخفضة.
جوهر القرار: لا بيع بخسارة ولا تلاعب سعري
المسودة التنظيمية الجديدة أوضحت بشكل مباشر أن:
- الشركات المصنعة ممنوعة من تسليم السيارات للوكلاء بسعر أقل من التكلفة الفعلية، والتي تشمل تكلفة الإنتاج والمصاريف الإدارية والمالية والتسويقية.
- شركات البيع بالتجزئة ممنوعة من بيع السيارات للمستهلكين بسعر أقل من تكلفة شرائها.
- أي تخفيضات غير مبررة أو خصومات خفية أو استخدام دعم وهمي يُعد مخالفة قانونية واضحة.
الهدف من هذه الخطوة هو إعادة النظام إلى السوق، ومنع التدمير الذاتي للصناعة عبر “حرب أسعار بلا سقف”.
سوق مضطرب… وأرقام تكشف خطورة الوضع
خلال الفترة الماضية، سارعت العديد من العلامات التجارية إلى تخفيض أسعار سياراتها بشكل كبير فور إطلاقها، في محاولة لحجز موقع تنافسي مبكر. ومن الأمثلة التي أثارت الانتباه:
- انخفاض سعر أحد الطرازات الجديدة من شركة كبرى بفارق تجاوز 90 ألف يوان مقارنة بالجيل السابق، بنسبة تقارب 18%.
- طراز آخر شهد خفضًا مباشرًا يقارب 26 ألف يوان عند طرح النسخة الأحدث.
هذا النهج أثار تحذيرات رسمية من مسؤولين في قطاع السيارات، الذين أكدوا أن تسعير السيارات الجديدة عند مستويات منخفضة بشكل غير منطقي يمثل اتجاهًا خطيرًا قد يؤدي إلى تشوهات طويلة المدى في السوق.
حرب الأسعار ضربت الوكلاء… والمستهلك قد يدفع الثمن
بحسب بيانات رسمية خاصة بقطاع توزيع السيارات:
- نسبة الوكلاء الذين تعرضوا لخسائر وصلت إلى أكثر من 52%.
- حوالي 74% من الوكلاء واجهوا حالات “بيع بسعر أقل من التكلفة”.
هذه الأوضاع أدت إلى:
- تقليص الخدمات.
- تقليل مزايا ما بعد البيع.
- تخفيض مستوى الجودة.
وفي النهاية، المستهلك هو المتضرر الأول من استمرار هذه الفوضى.
تنظيم صارم لأساليب التسويق والأسعار المعلنة
لم يتوقف القرار عند منع البيع بخسارة فقط، بل امتد ليشمل ممارسات التسويق والعروض الدعائية، حيث ألزم الجهات المسوقة بما يلي:
- منع استخدام أسعار مقارنة وهمية أو غير حقيقية.
- عدم الإعلان عن عروض مثل “سعر تصفية”، “سعر خاص مؤقت”، “سعر مدعوم حكوميًا” دون أساس واقعي.
- منع وضع سعر مقارنة أعلى من أدنى سعر تم بيعه خلال آخر 7 أيام قبل العرض.
- توضيح شروط أي خصومات أو قسائم أو دعم بشكل شفاف ومعلن.
- الإفصاح بوضوح عن أي دعم حكومي أو محلي وشروط الاستفادة منه.
كما أشارت السلطات إلى أن كثيرًا من الأسعار التي يتم الترويج لها تحت مسميات “سعر نشاط”، “سعر مدعوم”، أو “سعر خاص بالمبادرات الحكومية”، لا يحصل عليها جميع المستهلكين فعليًا، مما يجعلها نوعًا من التضليل التسويقي.
شركات السيارات الكبرى تدعم القرار رسميًا
بعد إعلان المسودة مباشرة، سارعت عدد من أكبر شركات السيارات إلى إعلان دعمها الكامل للقرار، مؤكدة التزامها بمبادئ المنافسة العادلة ورفض أي ممارسات غير قانونية أو مضللة، ومشددة على أهمية استقرار السوق وحماية البيئة التنافسية الصحية.
تطورات أخرى مهمة: القيادة الذاتية والجدل التقني
بالتزامن مع هذا الملف، شهد القطاع أيضًا تطورًا مهمًا آخر، حيث تمت الموافقة على دخول سيارات بمستوى قيادة ذاتية من الفئة الثالثة إلى السوق. ومع ذلك، فإن الاستخدام في هذه المرحلة محصور بشكل أساسي في خدمات النقل والتنقل التجاري، بينما لا يزال الاستخدام الشخصي قيد التقييد والتنظيم.
إضافة إلى ذلك، أثارت بعض الوظائف التقنية المرتبطة بالبطاريات والسيارات الكهربائية جدلًا واسعًا بين الجمهور، نتيجة مخاوف تتعلق بالسلامة، ورغم التوضيحات الرسمية بأن هذه الحالات لا تحدث في كل الظروف، إلا أن الجدل المجتمعي ظل قائمًا، ما يعكس حساسية السوق تجاه أي تطور تقني مرتبط بالسلامة.
هل انتهت حرب الأسعار؟ الإجابة المعقدة
التشريعات الجديدة بلا شك ستحد من الفوضى السعرية وتغلق باب البيع بخسارة والتخفيضات غير القانونية، لكنها لن تقضي تمامًا على المنافسة. سوق السيارات في الصين لا يزال شديد الحيوية والتحدي، والشركات ستظل تبحث عن:
- تقديم أسعار جذابة بشكل قانوني.
- تحسين القيمة مقابل المال.
- تطوير منتجات أقوى دون اللجوء لممارسات مدمرة للسوق.
السلطات تريد سوقًا تنافسيًا عادلًا… وليس ساحة استنزاف اقتصادي.
رؤية شبكة السيارات الصينية
هذا القرار يمثل منعطفًا محوريًا في تاريخ صناعة السيارات في الصين. الهدف الأساسي ليس إيقاف المنافسة، بل ضبطها وحمايتها من الانفجار الذاتي. الحفاظ على صحة السوق، حماية الوكلاء، ضمان جودة الخدمة، وإنصاف المستهلك… جميعها أهداف واضحة لهذه الخطوة.
ربما تنخفض وتيرة حرب الأسعار العنيفة… لكن مع ذلك، من المتوقع أن تستمر المنافسة بأساليب مختلفة وأكثر نضجًا واحترافية، مع تركيز أكبر على القيمة والجودة بدلًا من كسر الأسعار بلا حدود.
